أصبحت الألعاب الإلكترونية وظيفة في العالم العربي، ولم تعد مجرد لعبة لتمضية الوقت، إذ تسير في نفس المسار الذي سبقت وسارت فيه ألعاب مثل كرة القدم والسلة والتنس، وبات لها اسم دولي وهو “الرياضة الإلكترونية”، لا سيما في ظل حالة العزلة التي يعيشها الكثيرون حول العالم لمواجهة وباء كورونا.
ويشترك اللاعبون في بطولات تدر عليهم أرباحا، ويحصلون على تدريب ورعاية من شركات كبرى، مما يؤكد أن الأمر لم يعد مجرد هواية وإنما بات احترافا ذا مردود مالي.
وهذا تماما هو ما يريد أن يعرفه الأهالي من غير المقتنعين بإمكانية أن تصبح ألعاب إلكترونية قتالية متعددة اللاعبين مثل “بابجي ووليج اوف ليجندز وفورتنايت” وظيفة، يحصلون منها على رواتب، وأموال ومزايا كما لو كنت موظفا بدوام كامل، كما يقول علي بركات، 21 عاما، الذي احترف لعبة “أوفرووتش”.
تخلى علي عن فكرة الوظيفة التقليدية، وحول مجهوده والوقت الذي ينفقه إلى عمل شيء يحبه، ومهنة يحترفها، وانضم إلى فرق كبيرة في الألعاب الإلكترونية لخوض دورات ومسابقات محلية وإقليمية وعالمية.
بدأ علي فعليا اللعب على الإنترنت منذ خمسة أعوام، وعندما ظهرت لعبة أوفروتش Overwatch بعد انتهاء السنة الأولى في دراسته الجامعية، بدأ يلعبها واكتشف أنه يجيد لعبها، وقطع فيها أشواطا، ودخل بطولات كان آخرها بطولة في السعودية عام 2018، التي فاز فيها مع فريق “انفرنو” الإماراتي والمكون من خمسة لاعبين بـالمركز الثاني وبجائزة مالية قدرها 250 ألف ريال سعودي (حوالي 60 ألف دولار).
يتذكر علي، الذي قابلته في منزله بالقاهرة قبل تفشي فيروس كورونا، أول مبلغ مالي حصل عليه من الألعاب الإلكترونية: “كان ذلك منذ أربع سنوات، في بطولة لفيفا وكنت أنا وصديق لي ضمن فريق أجنبي والحمد لله دخلنا عددا من البطولات وكسبنا عدة مرات. وكانت جائزة البطولة الواحدة 150 دولار. وكانت هذه هي البدايات”.
ولا يقتصر دخل الشاب المصري، الذي درس علوم الحاسب الآلي، على البطولات فحسب، بل يعمل أيضا في مركز خدمة العملاء لشركة أمريكية كبرى في مجال الألعاب الإلكترونية ويحصل منها بانتظام على راتب شهري، ويضطر للعمل مساءا بسبب فرق التوقيت بين مصر والولايات المتحدة.
ويمكن وصف اللعبة بأنها “رياضة إلكترونية” إذا توافرت فيها الشروط الآتية: أن تكون تنافسية؛ بمعنى أنه يمكن اللعب ضد شخص آخر ومنافسته، وأن يكون للعبة جمهور كبير من المتابعين، وأن تكون هناك بطولات تنظم لهذه اللعبة بجوائز مالية كبيرة.
وسجلت إيرادات ألعاب الرياضة الإلكترونية حول العالم 1.1 مليار دولار بنهاية العام 2019، قبل وباء كورونا، وبلغ نصيب أمريكا الشمالية من هذه الإيرادات 409.1 ملايين دولار، فيما بلغ نصيب الصين 210.3 ملايين دولار، وفقا لشركة “نيوزو” (Newzoo) الدولية المتخصصة في إحصاء بيانات الألعاب الإلكترونية.
وهناك 120 مليون ممارس لألعاب الرياضة الإلكترونية في العالم العربي، أنفقوا جميعا نحو 2.3 مليار دولار على تلك الألعاب عام 2019، وتأتي السعودية والإمارات ومصر والمغرب والعراق في صدارة الدول العربية التي تشهد ازدهارا في سوق الألعاب الإلكترونية.
ووصل إجمالي عدد جمهور الرياضة الإلكترونية حول العالم 453.8 مليون، وحفلت الصين بأكبر عدد من المشجعين المتحمسين لألعاب الرياضة الإلكترونية؛ حيث بلغ عددهم 75 مليون مشجع، وجاءت بعد الصين في هذا المضمار الولايات المتحدة ثم البرازيل.
وسجلت بطولة العالم في لعبة ليغ أوف ليجندز التي أقيمت في 2018 أكبر نسبة في عدد ساعات المشاهدة المباشرة على منصة تويتش Twitch عند 53.8 مليون ساعة، كما حققت إيرادات من قيم التذاكر المباعة بلغت 1.9 مليون دولار. وكان دوري لعبة أوفرووتش الأكثر مشاهدة من حيث عدد الساعات على منصة تويتش، مسجلا 79.5 مليون ساعة.
وهناك فئة من اللاعبين الإلكترونيين ممن يحصلون على دخلهم من البث المباشر لمهارتهم في اللعبة على منصات مثل تويتش وفيسبوك ويوتيوب. وعادة ما يبدأ اللاعب هاويا قبل أن يصبح محترفا في البث عبر الإنترنت أو ما يعرف بـ ” استريمر”.
والشراكة مع المنصة التي يلعب عليها تمثّل راتبا في حد ذاتها. فهذه المنصات تدفع أموالا مقابل استخدام منصاتها بشكل يحقق مشاهدات عالية.
التبرعات والاشتراكات الشهرية أيضا تمثل روافد لدخل اللاعب الذي قد يصل أحيانا لأرقام خيالية تصل إلى عشرات الآلاف من الدولارات شهريا، مثل الأرباح التي يحققها الأمريكي تايلر نينجا، نجم لعبة فورتانيت Fortnite، الذي لديه واحدة من أكبر القنوات للرياضة الإلكترونية على تويتش ويوتيوب، إذ يتابعه أكثر من 20 مليون شخص حول العالم.
وفي تونس، برزت نورشين، 20 عاما، كواحدة من أشهر محترفي البث المباشر للعبة بابجي PUBG في العالم العربي، وتعتمد في دخلها على اشتراكات وتبرعات المتابعين لها على قناتها بتويتش، كما تروج لمهاراتها في اللعبة على حسابها بفيسبوك.
تقول نورشين، أثناء مقابلة معها في منزلها بتونس، إنه لا توجد رواتب شهرية ثابتة للاعب الرياضة الإلكترونية، المحترف في البث المباشر، فالربح مرتبط باللعب، وقد تظل 14 ساعة يوميا تلعب وتستعرض مهاراتها لكي يزيد دخلها، لكنها قد تحقق ربحا كبيرا في ساعة واحدة فقط.، فكيف تفعل ذلك؟
توضح نورشين: “قد ألعب ساعة واحدة أو حتى نصف ساعة يأتيني خلالها مشاهدون ويقومون بعمل تبرعات لصالحي بمقدار 500 دولار مثلا، وقد يأتيني عشرة مشتركين فئة خمسة وعشرين دولارا أو خمسة عشر دولارا أو عشرة دولارات. وثمة لاعبون يقضون ساعات طويلة بل وأياما ولا يربحون عشرة دولارات. المسألة لا تتعلق بالموقع الإلكتروني، وإنما هو المجتمع المتابع لك، وقاعدة المعجبين بأدائك، والذين يحبون أن يدعموك بالأموال.”